الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المناهي اللفظية **
فأجاب بقوله: تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون للإنسان حر الاعتقاد، يعتقد ما شاء من الأديان فإن كافر، لأن كل من اعتقد أن أحدًا يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد صلى الله عليه وسلم فإنه كافر بالله - عز وجل - يستتاب فإنه تاب وإلا وجب قتله. والأديان ليست أفكارًا، ولكنها وحي من الله - عز وجل - ينزله على رسله، ليسير عبادة عليه، وهذه الكلمة - أعني كلمة - فكر الإسلامية، التي يقصد بها الدين. يجب أن تحذف من قواميس الكتب الإسلامية، لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد، وهو أن يقال عن الإسلام: فكر، والنصرانية فكر، واليهودية فكر - وأعني بالنصرانية التي يسميها أهلها بالمسيحية - فيؤدي إلى أن تكون هذه الشرائع مجرد أفكار أرضية يعتنقها من شاء من الناس، والواقع أن الأديان السماوية أديان من عند الله - عز وجل - يعتقدها الإنسان على أنها من البشر وهي من الله تعبد بها عبادة، ولا يجوز أن يطلق عليها (فكر). وخلاصة الجواب: أن من يعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء وأنه حر فيما يتدين به فإنه كافر بالله - عز وجل - لأن الله - تعالى - يقول: فأجاب بقوله: لا ينبغي أن يقال (ما حكم الإسلام في كذا) أو (ما رأي الإسلام في كذا) فإنه قد يخطئ فلا يكون ما قاله حكم الإسلام، لكن لو كان الحكم نصًا صريحًا فلا بأس أن يقال: ما حكم الإسلام في أكل الميتة؟ فنقول: حكم الإسلام في أكل الميتة أنها حرام. فأجاب بقوله: الحيوان الناطق يطلق على الإنسان كما ذكره أهل المنطق، وليس فيه عندهم عيب، لأنه تعريف بحقيقة الإنسان، لكنه في العرف قول يعتبر قدحًا في الإنسان، ولهذا إذا خاطب الإنسان به عاميًا فإن العامي سيعتقد أن هذا قدحًا فيه، وحينئذ لا يجوز أن يخاطب بها العامي ؛ لأن كل شيء يسئ إلى المسلم فهو حرام، أما إذا خوطب به من يفهم الأمر على حسب اصطلاح المناطقة، فإن هذا لا حرج فيه، لأن الإنسان لا شك أن حيوان باعتبار أنه فيه حياة، وأن الفصل الذي يميزه عن غيره من بقية الحيوانات هو النطق. ولهذا قالوا: إن كلمة (حيوان) جنس، وكلمة (ناطق) فصل، والجنس يعم المعرف وغيره، والفصل يميز المعرف عن غيره. فأجاب قائلا: هذه العبارات غير صحيحة، لأن ما بذل في طاعة الله ليس بخسارة، بل هو الربح الحقيقي، وإنما الخسارة ما صرف معصية، أو في ما لا فائدة فيه، وأما ما فيه فائدة دنيوية أو دينية فإنه ليس بخسارة . فأجاب بقوله: إذا كان ذلك صدقًا بأن كان هذا الرجل خليفة يعني ذا سلطان تام على البلد، وهو ذو السلطة العليا على أهل هذا البلد، فإن هذا لا بأس به، ومعنى لو لنا (خليفة الله) أن الله استخلفه على العباد في تنفيذ شرعه، لأن الله - تعالى - استخلفه على الأرض، والله - سبحانه وتعالى - مستخلفنا في الأرض جميعًا وناظر ما كنا نعمل، وليس يراد بهذه الكلمة أن الله - تعالى - يحتاج إلى أحد يخلفه، في خلقة، أو يعينه على تدبير شيءونهم، ولكن الله جعله خليفة يخلف من سبقه، ويقوم بأعباء ما كلفه الله . فأجاب قائلا: لا الذي أعرف أن كلمة: (راعني) يعني من المراعات أي أنزل لنا في السعر مثلًا، وأنظر إلى ما أريد، ووافقني عليه، وما أشبه ذلك، وهذه لا شيء فيها. وأما قول الله - تعالى -: فهذا كان اليهود يقولون (راعنا)، من الرعونة فينادون بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يريدون الدعاء عليه، فلهذا قال الله لهم: {وَقُولُواْ انظُرْنَا}. وأما (راعني)، ليست مثل (راعنا)، لأن راعنا منصوبة بالألف وليست بالياء. فأجاب: لا قولهم رب البيت ونحوه ينقسم أقسامًا أربعة: القسم الأول: أن يكون الإضافة على ضمير المخاطب في معنى لا يليق بالله - عز وجل - مثل أن يقول (أطعم ربك) فهذا منهي عنه لوجهين: الوجه الأول: من جهة الصيغة لأنه يوهم معنى فاسدًا بالنسبة لكلمة رب، لأن الرب من أسمائه - سبحانه- وهو سبحانه يطعم ولا يطعم. الوجه الثاني: من جهة أنك تشعر العبد أو الأمة بالذي لأنه إذا كان السيد ربا كان العبد مربوبًا والأمة مربوبه. وأما إذا كان في معنى يليق بالله - تعالى - مثل أطلع ربك كان النهي عنه من أجل الوجه الثاني. القسم الثاني: أن تكون الإضافة إلى ضمير الغائب مثل ربه، وربها، فإن كان في معنى لا يليق بالله كان من الأدب اجتنابه، مثل أطعم العبد ربه أو أطعمت الأمة ربها ؛ لئلا يتبادر منه إلى الذهن معنى لا يليق بالله . وإن كان في معنى يليق بالله مثل أطاع العبد ربه وأطاعت الأمة ربها فلا بأس بذلك لانتفاء المحذور. ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث اللقطة في ضالة الإبل وهو حديث متفق عليه القسم الثالث: أن تكون الإضافة على ضمير المتكلم فقد يقول قائل بالجواز لقوله تعالى حكاية عن يوسف: القسم الرابع: أن يضاف إلى الاسم الظاهر فيقال: هذا رب الغلام فظاهر الحديث الجواز وهو كذلك ما لم يوجد محظور فيمنع كما لو ظن السامع أن السيد رب حقيقي خالف لمملوكه.
فأجاب بقوله: هذا الكلام يحتمل معنيين: أحدهما: أن الروح جزء من الله. والثاني: أن الروح من الله خلقًا. وأظهرهما أن أراد أن الروح جزء من الله لأنه لو أراد أن الروح من الله خلقا لم يكن بينها وبين الجسد فرق إذ الكل من الله - تعالى -: أحدهما: ما يكون منفصلًا بائنا عنه، قائما بنفسه أو قائما بغيره، فإضافته إلى الله تعالى إضافة خلق وتكون، ولا يكون ذلك إلا فيما يقصد به تشريف المضاف أو بيان عظمه الله - تعالى - لعظم المضاف، فهذا النوع لا يمكن أن يكون من ذات الله - تعالى - فلأن ذات الله تعالى واحدة لا يمكن تتجزأ أو تتفرق، وأما كونه لا يمكن أن يكون من صفات الله فلأن الصفة معنى في الموصوف لا يمكن أن تنفصل عنه، كالحياة، والعلم، والقدرة، والقوة، والسمع، والبصر، وغيرها. فإن هذه الصفات لا تباين موصو فها، ومن هذا النوع إضافة ا لله - تعالى - روح آدم وعيسى إليه، وإضافة البيت وما في السموات والأرض إليه، وإضافة الناقة إليه، فروح آدم، وعيسى قائمة بهما، وليست من ذات الله - تعالى - ولا من صفاته قطعًا، والبيت وما في السموات والأرض، والناقة أعيان قائمة بنفسها، وليس من ذات الله ولا من صفاته، وإذا كان لا يمكن لاحد أن يقول: إن بيت الله، وناقة الله من ذاته ولا من صفاته، ولا فرق بينهما إذ الكل بائن منفصل عن الله - عزل وجل - وكما أن البيت والناقة من الأجسام فكذلك الروح جسم تحل بدن الحي بإذن الله، يتوفاها الله حين موتها، ويمسك التي قضي عليها الموت، ويتبعها بصر الميت حين تقبض، لكنها جسم من جنس آخر. النوع الثاني من المضاف إلى الله: ملا يكون منفصلا عن الله بل هو من صفاته الذاتية أو الفعلية، كوجهه، ويده، سمعه، وبصره، واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، ونحو ذلك، فإضافته إلى الله - تعالى - من باب إضافة الصفة إلى موصفها، وليس من باب إضافة المخلوق والمملوك إلى مالكه وخالقه. وقول المتكلم (إن الروح من الله) يحتمل معنى آخر غير ما قلنا: إنه الأظهر، وهو أن البدن مادته معلومة، وهي التراب، أما الروح فمادتها غير معلومة، وهذا المعنى صحيح. كما قال الله - تعالى - فنسأل الله - تعالى - أن يفتح علينا من رحمته وعلمه ما به صلاحنا، وفلاحنا في الدنيا والآخرة. فأجاب قائلا: الروح في الغالب تطلق على ما به الحياة سواء كان ذلك حسا أو معنى، فالقران يسمى روحا قال الله - تعالى -: أما النفس فتطلق على ما تطلق عليه الروح كثيرًا كما في قوله - تعالى -: وقد تطلق النفس على الإنسان نفسه، فيقال جاء فلان نفسه، فتكون بمعنى الذات، فهما يفترقان أحيانا، ويتفقان أحيانا، بحسب السياق. وينبغي بهذه المناسبة أن يعلم أن الكلمات إنما يتحدد معناها بسياقها فقد تكون الكلمة الواحدة لها معنى في سياق، ومعنى آخر في سياق، فالقرية مثلا تطلق أحيانا على نفس المساكن، وتطلق أحيانا على الساكن نفسه ففي قوله - تعالى - عن الملائمة الذين جاءوا إبراهيم المراد بالقرية هنا المساكن، وفي قوله - تعالى -: فأجاب بقوله: إطلاق السيد على غير الله تعالى إن كان يقصد معناه وهي السيادة المطلقة فهذا لا يجوز، وإن كان المقصود به مجرد الإكرام فإن كان المخاطب به سيد، أو نحو ذلك، وإن كان لا يقصد به السيادة والإكرام وإنما هو مجرد اسم فهذا لا بأس به. فأجاب بقوله: لا يستحق أحد أن يوصف بالسيادة المطلقة إلا الله - عز وجل - فالله تعالى هو السيد الكامل السؤدد، أما غيره فيوصف بسيادة مقيدة مثل سيد ولد آدم، لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسيادة قد تكون بالنسب، وقد تكون بالعلم، وقد تكون بالكرم، وقد تكون بالشجاعة، وقد تكون بالملك، كسيد المملوك وقد تكون بغير ذلك من الأمور التي يكون بها الإنسان سيدا، وقد يقال للزوج سيد بالنسبة لزوجته، كما في قوله - تعالى -: فأما السيد في النسب فالظاهر أن المراد أن من كان من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أولاد فاطمة - رضي الله عنها - أي ذريتها من بنين وبنات، وكذلك الشريف، وربما يراد بالشريف من كان هاشميا وأيا كان الرجل أو المرأة سيدا أو شريفا فإنه لا يمتنع شرعا أن يتزوج من غير السيد والشريف، فهذا سيد بني آدم وأشرفهم، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج ابنتيه رقية وأم كلثوم عثمان بن عفان، وليس هاشميا، وزوج ابنته زينب أبا العاص بن الربيع وليس هاشميا. فأجاب قائلا: لا يرتاب عاقل أن محمدا صلى الله عليه وسلم ، سيد ولد آدم فإن كل عاقل مؤمن يؤمن بذلك، والسيد هو ذو الشرف والطاعة والإمرة، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم من طاعة الله - وتعالى -: وبهذه المناسبة أود أبنه إلى أن كل إنسان يؤمن بأن محمدا، صلى الله عليه وسلم ، سيدنا فإن مقتضى هذا الإيمان أن لا يتجاوز الإنسان ما شرعه وأن لا ينقص عنه، فلا يبتدع في دينه الله ما ليس منه، ولا ينقص من دين الله ما هو منه، فإن هذا هو حقيقة السيادة التي هي من حق النبي صلى الله عليه وسلم ، علينا. وعلى هذا فإن أولئك المبتدعين لأذكار أو صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يأت بها شرع الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تنافي دعوى أن هذا الذي ابتدع يعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم، سيد، لأن مقتضى هذه العقيدة أن لا يتجاوز ما شرع وأن لا ينقص منه، فليتأمل الإنسان وليتدبر ما يعنيه بقوله حتى يتضح له الأمر ويعرف أنه تابع لا مشرع. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: فأجاب قائلا: لا شك أن عائشة - رضي الله عنها - من سيدات نساء الأمة، ولكن إطلاق (السيدة) على المرأة و(السيدات) على النساء هذه الكلمة متلقاة فيما أظن من أوضع النساء، لأنهم يسودون النساء أي يجعلونهم سيدات مطلقا، والحقيقة أن المرأة مرأة، وأن الرجل رجل، وتسميه المرأة بالسيدة على الإطلاق ليس بصحيح، نعم من كانت منهن سيدة لشرفها في دينها أو جاهها أو غير ذلك من الأمور المقصودة فلنا أن نسميها سيدة، ولكن ليس مقتضى ذلك إننا نسمي كل امرأة سيدة. كما أن التعبير بالسيدة عائشة، والسيدة خديجة، والسيدة فاطمة وما أشبه ذلك لم يكن معروفا عند السلف بل كانوا يقولون أم المؤمنين عائشة أم المؤمنين خديجة، فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونحو ذلك. فأجاب بقوله: أختلف على ذلك في أقوال: القول الأول: أن النهي على سبيل الأدب، والإباحة على سبيل الجوز، فالنهي ليس للتحريم حتى يعارض الجواز. القول الثاني: أن النهي حيث يخشى منه المفسدة وهي التدرج إلى الغلو، والإباحة إذ لم يكن هناك محذور. القول الثالث: أن النهي بالخطاب أي أن تخاطب الغير بقولك (سيدي أو سيدنا) لأنه ربما يكون في نفسه عجب وغلو إذا دعي بذلك، ولأن فيه شيئا آخر وهو خضوع هذا المتسيد له وإذلال نفسه له، بخلاف إذا جاء على غير هذا الوجه مثل لكن يجاب عن هذا بأن قول الرقيق لمالكه (سيدي) أمر معلوم لا غضاضة فيه، ولهذا يحرم عليه أن يمتنع مما يجب عليه نحو سيده والذي يظهر لي - والله أعلم - أن هذا جائز لكن بشرط أن يكون الموجه إليه السيادة أهلا لذلك، وأن لا يخشى محذور من إعجاب المخاطب ونخوع المتكلم، أما إذ لم يكن أهلا، كما لو كان فاسقا أو زنديقًا فلا يقال له ذلك حتى لو فرض عنه أعلى منه رتبة أو جاهلا فقد جاء في الحديث: وكذلك لا يقال إذا خشى محذور من إعجاب المخاطب أو نخوع المتكلم. فأجاب قائلا: قول: (شاءت الأقدار)، و (شاءت الظروف) ألفاظ منكرة ؛ لأن الظروف جمع ظرف هو الأزمان، والزمن لا مشيئة له، وإنما يشاء هو الله، عز وجل، نعم لو قال الإنسان: (اقتضى قدر الله كذا وكذا). فلا بأس به. أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار لأن المشيئة هي الإرادة، ولا إرادة للوصف، إنما للإرادة للموصوف. فأجاب بقوله: لا يصح أن نقول (شاءت قدرة الله) لأن المشيئة إرادة، والقدرة معنى، والمعنى لا إرادة له، وإنما الإرادة للمريد، والمشيئة لمن يشاء، ولكننا نقول اقتضت حكمة الله كذا وكذا، أو نقول عن شيء إذا وقع هذه قدرة الله أي مقدوره كما تقول: هذا خلق الله أي مخلوقه. أما أن نضيف أمرا يقتضي الفعل الاختياري إلى القدرة فإن هذا لا يجوز ومثال لذلك قولهم (شاءت القدر كذا وكذا) هذا لا يجوز لأن القدر والقدرة أمران معنويات ولا مشيئة لهما، إنما المشيئة لمن هو قادر ولمن مقدر. والله أعلم. فأجاب بقوله: لا يجوز لنا أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد حتى، لو قتل مظلومًا أو قتل وهو يدافع عن الحق، فإنه لا يجوز أن نقول فلان شهيد وهذا مخالف لما عليه الناس اليوم حيث رخصوا هذه الشهادة وجعلوا كل من قتل حتى ولو كان مقتولا في عصبة جاهلية يسمونها شهيدا، وهذا حرام لأن قولك عن شخص قتل وهو شهيد يعتبر شهادة سوف تسأل عنها يوم القيامة، سوف يقال لك هل عندك علم أنه قتل شهيدا؟ ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
|